الرئيسية » » لا أمنيات لكِ لديّ | رغدة مصطفي

لا أمنيات لكِ لديّ | رغدة مصطفي

Written By Unknown on السبت، 6 يونيو 2015 | 6:05 م

لا أمنيات لكِ لديّ، لا مخاوف يُمكن تجنيبكِ إياها. أعلم: ليس عادلًا أن تولدي لأم مثلي. ليس عادلًا أيضا أن تجعلي مني أمًا، أن تغرسيني في الأرض جِذرًا لكِ، أن تستخدمي أذرعي وسيقاني، عيوني وفمي، أذني وأنفي، صدري وقلبي ريثما تنضج حواسكِ وينمو جسدكِ الضئيل. أنا معطلة منذ أمدِ بعيدِ، واليوم تجبرينني على إعادة تشغيلي، على الحياة لأجلكِ.
لا يقين لدي إلا بوجود الله. لكنّه غير مرئي لأشير لكِ: ها هو..، ولا مسموع لأنبهكِ لصوته. تمنيتُ لو امتلأت به، ليكن هو يدكِ وعيناكِ، لكنَّي لست نبيًّا، أنا مجرد امرأة تعيسة ووحيدة يا صغيرتي.
قرأت لكِ كثيرًا من كتابه، سورة مريم كانت أحب ما قرأت. تجولت بحثًا عن اسم لكِ، مريم كانت بلا زوج ولم أرغب لكِ بذلك. في قصصِ لآخريات، هاجر تركها زوجها وحيدة في الصحراء مع ابنها، آسيا بيتها في الجنة لا الأرض جزاء تمردها وإيمانها، زوجات النبي كثيرات، لا أريد أن تكوني واحدة ضمن جماعة، ولا أنبياء اليوم يتلقون الوحي، هناك فقط شعراء تُعساء ومغفلون، وزليخة اشتهت وما نالت.
يوم علمت أن ما أسمع وأدندن به ــ وأنتِ بداخلي ــ قد يُشكلكِ، أصابتني دهشة مثيرة وغامضة، تلاها سريعًا خوف وقلق. لم أرد ذلك حقًا، فكذَّبت ما سمعت، لأستمتع وحيدةً بما أهوى.
غير أن هذا الخاطر يعود كل حين، يغريني بتخيّل ماهية فتاة تتشكل من آيات وآهات الشيخ إمام بحشرجة صوته الخشنة في “الهوى غلاب”، صرخات داليدا الفاضحة بالألم والاحتياج في “je suismalade”، وهج الشغف المثير والعنفوان لبويكا الإسبانية في “Por el Amorde Amar”، أناقة صوت عبد الوهاب الموجعة مع خفة روح محمد قنديل المحفزة للرقص بدلال، غواية أسمهان الناعسة وفحش الغناء الشعبي القديم المصحوب بالغمزات ورن الخلخال.
ثمَّ ما ألبث أن أطرد الخاطر، ليبقى الصمت مُدَويًا بداخلي وعميقا. يسحبني لصمت الجبل المُخيف والمُغوي، ذاك الراسخ الذي صار بالتجلي دكًا. من تلك الهاوية داخلي رغبتُ بانتشال اسم لكِ، لكن الظلام حجبه. فكان مريم، النور الذي أحبّت، اسمكِ.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.